شرود مابعد الدهرانية - طه عبدالرحمن |
1-(( فآدم وزوجه عليهما السلام لم يكونا أبداً
مكشوفين، بل كانا كاسيين خير ما يكون الكاسي، فضلاً عن أن أحدهما كان لباساً
للآخر، حتى إذا وقعا في المحظور، زال عنهما بعض لباسهما، فانكشفت لهما سوءاتهما،
وعلى هذا، فحقيقة "السوأة" ليست أنها موضع عضوي بعينه من جسم الإنسان
يكره الإنسان أن يكون عارياً، وإنما هي كل ما تسوء الإنسان مشاهدته من ذاته ومما
إليها، ظاهراً كان أو باطناً، لأنه جرد مما يستره أو يحجبه، أو قل باختصار، إن
السوأة هي كل ما تؤذي الإنسان رؤيته من ذاته ومما إليها مالم يكسه لباس أو يسدل
دونه حجاب )) "42"
2-(( لكن وا حسرتاه! لم يعد
"المرود" يتعلق بالآحاد من
الناس، بل اتسع وامتد إلى الحياة العامة، فقد بلغ الأمر ببعض المجتمعات المتقدمة
صناعياً وسياسياً أن أصدرت قوانين تشريعية ووضعت بنوداً دستورية، قوانيناً وبنوداً
تكفل للماردين حقوقاً سادية صريحة، بدءاً بخلط المياه والأرحام وانتهاء بقتل
المحتضرين والمرضى الميؤوس منهم، مروراً بالزواج المثلي الذي يكرّس السدومية، والحسرة
أكبر ونحن نسمع أن دعاة التقليد في المجتمعات المتخلفة اقتصادياً وسياسياً لا يستحيون
من اعتناق هذا التحول السادي ما بعد الدهراني كأنه فتح أخلاقي جديد، وما دروا
أنهم، بتصرفهم هذا، إنما يضيفون إلى تخلفهم تخلفاً من فوقه، ساقطين فيما نسميه
ب"التخلف الجذري"، وهو التخلف الذي لايبقي على أي سبب من أسباب الخروج
منه، إذ تصبح العقول لا تفكر إلا بالطريق الذي تتردى به إلى الحضيض، كأن القاعدة
الأخلاقية التي تحكم السلوك هي:
"لتعمل بحيث لاترفع أبداً
عملك إلى رتبة الواجب الإئتماني" )) "87"
3-(( أن النفس محل الإشتهاء، وكل
اشتهاء لابد أن يكون مصدراً للقيم الدنية، بدءاً بالأمر بالسوء، وانتهاء بالنهي عن
الخير، بدليل التدني الذي يميز النفس، في حين أن الروح هي محل الإشتياق، وكل
اشتياق لابد أن يكون مصدراً للقيم السَّنية، بدءاً بالنفور من كل قبيح، وانتهاءً
بالنزوع إلى كل جميل، بدليل التدلي الذي يميز الروح )) "134"
4-((...ذلك أن استغلال "فائض
المتعة" لايتجلى في حياتنا مثل تجليه في الإختيار الرأسمالي، ذلك أن
الرأسمالية تسعى، بآلتها المتغلغلة في كل المجتمعات، إلى بلوغ أوج الاستهلاك، فلا
تزال تنوع في أشكال المنتجات وتوسع دائرة المستهلكين، ملهبة فيهم أوار الرغبات
ونار الشهوات، حتى تجعلهم يلهثون، من غير ما رشد ولا قصد، وراء أي شيء تصوره لهم
على أنه يفي بحاجتهم من المتعة التي لن تكون، في حقيقة الأمر إلا عبارة عن "فائض
متعة"، أي متعة خادعة، وبدل أن يتعظوا بهذا الإنخداع، فينتهوا عن ملاحقة شبح
المتعة، فإنك تراهم لا شغل لهم إلا تدارك ما فاتهم من الاستمتاع المتوهم، فيندفعون
بقوة في طلبه المرة تلو المرة، عساهم يظفرون به فيما تغرق به هذه الآلة الصناعية الساحقة،
مسنودة بآلة إشهارية ماحقة، كافة الأسواق عبر العالم من مغري المصنوعات ومغوي
المبدعات، حتى تهلك أرواحهم في الاستهلاك، إحباطاً، فضلاً عن هلاك أجسادهم إدماناً
))"240"
5-(( ندعي أن الإنسان الغيبي، لما
خرج إلى عالم الشهادة، وأضحى مخلوقاً مرئياً، لم ينقطع عن كينونته الغيبية، بل بقي
يحمل آثارها في روحه )) "274"
6-(( وما أبعد عن الصواب من يتوهم
أن هذا التكرّر يفضي إلى الرتابة فالجمود! إن تكرير العبادة على مقتضاها، كتكرير
الشهادة على مقتضاها، ليس أبداً إعادة جامدة، وإنما تجديداً مستمراً لها، إذ أن
المصلي يدرك أن ألله أكرمه بأوقات الصلاة لكي يناجيه فيها، وأن هذه المناجاة
الموقوتة يسري مددها الذي يزداد بازدياد عددها إلى باقي الأوقات التي يعافس فيها
معايشه ومصالحه، لذا، فإنه يسعى جاهداً إلى أن يكون لاحقُ عبادته خيراً من سابق
عبادته، حتى يرتقي في مراتب هذه المناجاة، متقرباً إلى ربه، وعليه، فإن المصلي هو
العابد الذي لا ينفك عن تجديد عبادته، ولا تجديد للعبادة بغير مزيد من التخلق،
ظاهراً وباطناً )) "292"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق